الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: (وَإِذَا تُتْلَى) عَلَى النَّاسِ (آيَاتُنَا) الَّتِي أَنْـزَلْنَاهَا عَلَى رَسُولِنَا مُحَمَّدٍ (بَيِّنَاتٍ)، يَعْنِي وَاضِحَاتٍ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا وَفَكَّرَ فِيهَا أَنَّهَا أَدِلَّةٌ عَلَى مَا جَعَلَهَا اللَّهُ أَدِلَّةً عَلَيْهِ لِعِبَادِهِ، (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا {) بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ وَآيَاتِهِ، وَهُمْ قُرَيْشٌ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا) فَصَدَّقُوا بِهِ، وَهُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ (} أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا {) يَعْنِي بِالْمَقَامِ: مَوْضِعُ إِقَامَتِهِمْ، وَهِيَ مَسَاكِنُهُمْ وَمَنَازِلُهُمْ (} وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) وَهُوَ الْمَجْلِسُ، يُقَالُ مِنْهُ: نَدَوْتُ الْقَوْمَ أَنَدُوهُمْ نَدْوًا: إِذَا جَمَعْتُهُمْ فِي مَجْلِسٍ، وَيُقَالُ: هُوَ فِي نَدِيِّ قَوْمِهِ وَفِي نَادِيهِمْ: بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَمِنَ النِّدِيِّ قَوْلُ حَاتِمٍ: وَدُعِيـتُ فِـي أُولِـي النَّـدِيِّ وَلَـمْ *** يُنْظَـرْ إِلَـيَّ بِـأَعْيُنٍ خُـزْرِ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ، قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ أَوْسَعُ عَيْشًا، وَأَنْعَمُ بَالًا وَأَفْضَلُ مَسْكَنًا، وَأَحْسَنُ مَجْلِسًا، وَأَجْمَعُ عَدَدًا وَغَاشِيَةً فِي الْمَجْلِسِ، نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ؟ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} قَالَ: الْمَقَامُ: الْمَنْـزِلُ، وَالنِّدِيُّ: الْمَجْلِسُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبَى ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمِثْلِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} قَالَ: الْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ، وَالنِّدِيُّ، الْمَجْلِسُ وَالنِّعْمَةُ وَالْبَهْجَةُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، وَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ، حِينَ أَهْلَكَهُمْ وَقَصَّ شَأْنَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} فَالْمَقَامُ: الْمَسْكَنُ وَالنَّعِيمُ، وَالنِّدِيُّ: الْمَجْلِسُ وَالْمَجْمَعُ الَّذِي كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ، وَقَالَ اللَّهُ فِيمَا قَصَّ عَلَى رَسُولِهِ فِي أَمْرِ لُوطٍ إِذْ قَالَ {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ}، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَجْلِسَ: النَّادِيَ. حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} يَقُولُ: مَجْلِسًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {أَيُ الْفَرِيقَيْنِ} قَالَ: قُرَيْشٌ تَقُولُهَا لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} قَالَ: مَجَالِسُهُمْ، يَقُولُونَهُ أَيْضًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا}رَأَوْا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَيْشِهِمْ خُشُونَةٌ، وَفِيهِمْ قَشَافَةٌ، فَعَرَّضَ أَهْلُ الشِّرْكِ بِمَا تَسْمَعُونَ. قَوْلُهُ {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} يَقُولُ: مَجْلِسًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} قَالَ: النِّدِيُّ، الْمَجْلِسُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} قَالَ: مَجْلِسُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ لِلْمُومِنِينَ، إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا، وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، مَجَالِسَ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَكْثَرُ مَتَاعَ مَنَازِلَ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَأَحْسَنُ مِنْهُمْ مَنْظَرًا وَأَجْمَلُ صُوَرًا، فَأَهْلَكْنَا أَمْوَالَهُمْ، وَغَيَّرْنَا صُوَرَهُمْ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ: كُـمَيْتٌ كَلَـوْنِ الْأُرْجُـوَانِ نَشَـرْتُهُ *** لِبَيْـعِ الـرِّئِي فـي الصِّـوَانِ الْمُكَعَّبِ يَعْنِي بِالصِّوانِ: التَّخْتُ الَّذِي تُصَانُ فِيهِ الثِّيَابُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمَّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} قَالَ: الرَّئِيُّ: الْمَنْظَرُ، وَالْأَثَاثُ: الْمَتَاعُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الرَّئِيُّ الْمَنْظَرُ. حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} يَقُولُ: مَنْظَرًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ ثَنْيَ عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} الْأَثَاثُ: الْمَالُ، وَالرَّئِيُّ: الْمَنْظَرُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا هَوْذَةُ، قَالَ: ثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ {أَثَاثًا وَرِئْيًا} قَالَ: الْأَثَاثُ: أَحْسَنُ الْمَتَاعِ، وَالرِّئْيُ: قَالَ: الْمَالُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا}: أَيْ أَكْثَرُ مَتَاعًا وَأَحْسَنُ مَنْـزِلَةً وَمُسْتَقَرًّا، فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَمْوَالَهَمْ، وَأَفْسَدَ صُوَرَهُمْ عَلَيْهِمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} قَالَ: أَحْسَنُ صُوَرًا، وَأَكْثَرُ أَمْوَالًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ (أَثَاثًا) قَالَ: الْمَتَاعُ (وَرِئْيًا) قَالَ: فِيمَا يَرَى النَّاسُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَا ثَنَا جَرِيرُ بْنُ قَابُوسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَثَاثُ: الْمَالُ، وَالرِّئْيُ: الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَرِئْيًا): مَنْظَرًا فِي اللَّوْنِ وَالْحُسْنِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَرِئْيًا) مَنْظَرًا فِي اللَّوْنِ وَالْحُسْنِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} قَالَ: الرَّئِيُّ: الْمَنْظَرُ، وَالْأَثَاثُ: الْمَتَاعُ، أَحْسَنُ مَتَاعًا، وَأَحْسَنُ مَنْظَرًا. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {أَحْسَنُ أَثَاثًا} يَعْنِي: الْمَالُ (وَرِئْيًا) يَعْنِي: الْمَنْظَرُ الْحَسَنُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: "وَرِيًّا" غَيْرَ مَهْمُوزٍ، وَذَلِكَ إِذَا قُرِئَ كَذَلِكَ يَتَوَجَّهُ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَارِئُهُ أَرَادَ الْهَمْزَةَ، فَأَبْدَلَ مِنْهَا يَاءً، فَاجْتَمَعَتِ الْيَاءُ الْمُبْدَلَةُ مِنَ الْهَمْزِ وَالْيَاءُ الَّتِي هِيَ لَامُ الْفِعْلِ، فَأُدْغِمَتَا، فَجُعِلَتَا يَاءً وَاحِدَةً مُشَدَّدَةً لِيَلْحِقُوا ذَلِكَ، إِذْ كَانَ رَأْسَ آيَةٍ، بِنَظَائِرِهِ مِنْ سَائِرِ رُءُوسِ الْآيَاتِ قَبْلَهُ وَبُعْدَهُ؛ وَالْآخِرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَوَيْتُ أَرْوَى رَوْيَةً وَرَيًّا، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مَنْ قَرْنٍ، هُمْ أَحْسَنُ مَتَاعًا، وَأَحْسَنُ نَظَرًا لِمَالِهِ، وَمَعْرِفَةً لِتَدْبِيرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: مَا أَحْسَنَ رُؤْيَةً فُلَانٍ فِي هَذَا الْأَمْرِ إِذَا كَانَ حَسَنَ النَّظَرِ فِيهِ وَالْمَعْرِفَةِ بِهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْعِرَاقِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ (وَرِئْيًا) بِهَمْزِهَا، بِمَعْنَى: رُؤْيَةُ الْعَيْنِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ: أَحْسَنُ مَتَاعًا ومَرْآةً. وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَرَأَ: أَحْسُنُ أَثَاثًا وَزِيًّا، بِالزَّايِ، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَحْسَنُ مَتَاعًا وَهَيْئَةً وَمَنْظَرًا، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّيَّ هُوَ الْهَيْئَةُ وَالْمَنْظَرُ مِنْ قَوْلِهِمْ: زَيَّيْتَ الْجَارِيَةَ، بِمَعْنَى: زَيَّنْتُهَا وَهَيَّأْتُهَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْقِرَاءَاتِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ {أَثَاثًا وَرِئْيًا} بِالرَّاءِ وَالْهَمْز، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ: الْمَنْظَرُ، وَذَلِكَ هُوَ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ، لَا مِنَ الرُّؤْيَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ الْمَهْمُوزُ أَوْلَى بِهِ، فَإِنْ قَرَأَ قَارِئٌ ذَلِكَ بِتَرْكٍ لِلْهَمْزِ، وَهُوَ يُرِيدُ هَذَا الْمَعْنَى، فَغَيْرُ مُخْطِئٍ فِي قِرَاءَتِهِ. وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ بِالزَّايِ فَقِرَاءَةٌ خَارِجَةٌ، عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرَّاءِ، فَلَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِهَا لِخِلَافِهَا قِرَاءَتَهُمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي التَّأْوِيلِ وَجْهٌ صَحِيحٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْأَثَاثِ أَجَمْعٌ هُوَ أَمْ وَاحِدٌ، فَكَانَ الْأَحْمَرُ فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْهُ يَقُولُ: هُوَ جَمْعٌ، وَاحِدَتُهَا أَثَاثَةٌ، كَمَا الْحَمَامُ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا حَمَامَةٌ، وَالسَّحَابُ جَمْعٌ وَاحِدَتُهَا سَحَابَةٌ، وَأَمَّا الْفِرَاءُ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا وَاحِدَ لَهُ، كَمَا أَنَّ الْمَتَاعَ لَا وَاحِدَ لَهُ. قَالَ: وَالْعَرَبُ تَجْمَعُ الْمَتَاعَ: أَمْتِعَةٌ، وَأَمَاتِيعُ، وَمُتَعٌ. قَالَ: وَلَوْ جَمَعْتَ الْأَثَاثَ لَقُلْتَ: ثَلَاثَةُ آثَّةٍ وَأَثَثٍ. وَأَمَّا الرَّئْيُ فَإِنَّ جَمْعَهُ: آرَاءٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِرَبِّهِمْ، الْقَائِلِينَ: إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ مِنَّا وَمِنْكُمْ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا، مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَةِ جَائِرًا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، سَالِكًا غَيْرَ سَبِيلِ الْهُدَى، فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا: يَقُولُ: فَلْيُطَوَّلْ لَهُ اللَّهُ فِي ضَلَالَتِهِ، وَلْيُمْلِهِ فِيهَا إِمْلَاءً. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} فَلْيَدَعْهُ اللَّهُ فِي طُغْيَانِهِ. وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَى حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قُلْ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنَّا وَمِنْكُمْ فِي الضَّلَالَةِ، فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ فِي ضَلَالَتِهِ إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، إِمَّا عَذَابٌ عَاجِلٌ، أَوْ يَلْقَوْا رَبَّهُمْ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ خَلْقَهُ أَنْ يَجْمَعَهُمْ لَهَا، فَإِنَّهُمْ إِذَا أَتَاهُمْ وَعْدُ اللَّهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَانًا} وَمَسْكَنًا مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ {وَأَضْعَفُ جُنْدًا} أَهُمْ أَمْ أَنْتَمِ؟ وَيَتَبَيَّنُونَ حِينَئِذٍ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا، وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَرَدًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَيَزِيدُ اللَّهُ مِنْ سَلَكَ قَصْدَ الْمَحَجَّةِ، وَاهْتَدَى لِسَبِيلِ الرُّشْدِ، فَآمَنَ بِرَبِّهِ، وَصَدَّقَ بِآيَاتِهِ، فَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ هُدًى بِمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْفَرَائِضِ الَّتِي يَفْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُقِرُّ بِلُزُومِ فَرْضِهَا إِيَّاهُ، وَيَعْمَلُ بِهَا، فَذَلِكَ زِيَادَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي اهْتِدَائِهِ بِآيَاتِهِ هُدًى عَلَى هُدَاهُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ {وَإِذَا مَا أُنْـزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ ذَلِكَ: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى بِنَاسِخِ الْقُرْآنِ وَمَنْسُوخِهِ، فَيُؤْمِنُ بِالنَّاسِخِ، كَمَا آمَنَ مِنْ قَبْلُ بِالْمَنْسُوخِ، فَذَلِكَ زِيَادَةُ هُدًى مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى هُدَاهُ مِنْ قَبْلُ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْأَعْمَالُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَرَضِيَهَا مِنْهُمْ، الْبَاقِيَاتُ لَهُمْ غَيْرُ الْفَانِيَاتِ الصَّالِحَاتُ، خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ جَزَاءً لِأَهْلِهَا {وَخَيْرٌ مَرَدًّا} عَلَيْهِمْ مِنْ مَقَامَاتِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ، وَأَنْدِيَتِهِمُ الَّتِي يَفْتَخِرُونَ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي ذَلِكَ، وَدَلَّلْنَا عَلَى الصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: «جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَخَذَ عُودًا يَابِسًا، فَحَطَّ وَرَقَهُ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ قَوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ، تَحُطُّ الْخَطَايَا، كَمَا تَحُطُّ وَرَقَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الرِّيحُ، خُذْهُنَّ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ قَبْلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُنَّ، هُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، وَهُنَّ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّة» "، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَكَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِذَا ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ: لِأُهَلِّلَنَّ اللَّهَ، وَلِأَكْبِرَنَّ اللَّهَ، وَلِأُسَبِّحَنَّ اللَّهَ، حَتَّى إِذَا رَآنِي الْجَاهِلُ حَسِبَ أَنِّي مَجْنُونٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَفَرَأَيْتَ) يَا مُحَمَّدُ {الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا} حُجَجَنَا فَلَمْ يُصَدِّقْ بِهَا، وَأَنْكَرَ وَعِيدَنَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ (وَقَالَ) وَهُوَ بِاللَّهِ كَافِرٌ وَبِرَسُولِهِ (لَأُوتَينَّ) فِي الْآخِرَةِ {مَالًا وَوَلَدًا}. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ أُنْـزِلَتْ فِي العاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ أَبِي عَمْرِو بْنِ العاصِ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ وَسَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ، قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى العاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَقْضِيْكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْت: وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تَبْعَثُ، قَالَ: فَقَالَ: فَإِذَا أَنَا مِتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ كَمَا تَقُولُ، جِئْتَنِي وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}.... إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو السَّائِبِ، وَقَرَأَ فِي الْحَدِيثِ: وَوُلْدًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَطْلُبُونَ العاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ بِدَيْنٍ، فَأَتَوْهُ يَتَقَاضَوْنَهُ، فَقَالَ: أَلَسْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ فِضَّةً وَذَهَبًا وَحَرِيرًا، وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْآخِرَةُ، فَوَاللَّهِ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، وَلَأُوتَيَنَّ مِثْلَ كِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، فَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا}.... إِلَى قَوْلِهِ {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} قَالَ: العاصُ بْنُ وَائِلٍ يَقُولُهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ. ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَوْا رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَتَقَاضَوْنَهُ دَيْنًا، فَقَالَ: أَلَيْسَ يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ حَرِيرًا وَذَهَبًا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ فَمِيعَادُكُمُ الْجَنَّةُ، فَوَاللَّهِ لَا أُومَنُ بِكِتَابِكُمُ الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ، اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ، ولَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا، يَقُولُ اللَّهُ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}؟. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: قَالَ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ: «كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ، فَكُنْتُ أَعْمَلُ للعاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَتْ لِي عَلَيْهِ دَرَاهِمُ، فَجِئْتُ لِأَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ لِي: لَا أَقَضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، قَالَ: قُلْتُ: لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: فَإِذَا بُعِثْتُ كَانَ لِي مَالٌ وَوَلَدٌ، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا}» إِلَى {وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (وَوَلَدًا) فَقَرَأَتْهُ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ: (وَوَلَدًا) بِفَتْحِ الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ خَصَّ الَّتِي فِي سُورَةِ نُوحٍ بِالضَّمِّ، فَقَرَأَهَا "مَالُهُ وَوُلْدُهُ " وَأَمَّا عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ غَيْرَ عَاصِمٍ، فَإِنَّهُمْ قَرَءُوا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ قَوْلِهِ {مَالًا وَوَلَدًا} إِلَى آخَرَ السُّورَةِ. وَاللَّتَيْنِ فِي الزُّخْرُفِ، وَالَّتِي فِي نُوحٍ، بِالضَّمِّ وَسُكُونِ اللَّامِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ إِذَا ضُمَّتْ وَاوُهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ضَمُّهَا وَفَتْحُهَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا هُمَا لُغَتَانِ، مِثْلُ قَوْلِهِمُ الْعُدْمُ وَالْعَدَمُ، وَالْحُزْنُ وَالْحَزَنُ. وَاسْتَشْهَدُوا لِقَيْلِهِمْ ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ: فَلَيْـتَ فُلَانًـا كَـانَ فـي بَطْـنِ أُمِّـهِ *** وَلَيْـتَ فُلَانًـا كَـانَ وُلْـدَ حِمَـارِ وَيَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ: وَلَقَـدْ رَأَيْـتُ مَعَاشِـرًا *** قَـدْ ثَمَّـرُوا مَـالًا وَوُلْـدًا وَقَوْلُ رُؤْبَةَ: الْحَـمْدُ لِلَّـهِ العَزِيـزِ فَـرْدَا *** لَـمْ يَتَّخِـذْ مِـنْ وُلْـدِ شَـيْءٍ وُلْـدَا وَتَقُولُ الْعَرَبُ فِي مَثَلِهَا: وُلْدُكِ مِنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ وَاحِدٌ، بِمَعْنَى الْوَلَدِ. وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ قَيْسًا تَجْعَلُ الْوُلْدَ جَمْعًا، وَالْوَلَدَ وَاحِدًا. وَلَعَلَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ بِالضَّمِّ فِيمَا اخْتَارُوا فِيهِ الضَّمَّ، إِنَّمَا قَرَءُوهُ كَذَلِكَ لِيُفَرِّقُوا بَيْنَ الْجَمْعِ وَالْوَاحِدِ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الْفَتْحَ فِي الْوَاوِ مِنَ الْوَلَدِ وَالضَّمَّ فِيهَا بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ، غَيْرَ أَنَّ الْفَتْحَ أَشْهَرُ اللُّغَتَيْنِ فِيهَا، فَالْقِرَاءَةُ بِهِ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِذَلِكَ. وَقَوْلُهُ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: أَعَلِمَ هَذَا الْقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ عِلْمَ الْغَيْبِ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَالًا وَوَلَدًا بِاطِّلَاعِهِ عَلَى عِلْمِ مَا غَابَ عَنْهُ {أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} يَقُولُ: أَمْ آمَنَ بِاللَّهِ وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَاهُ عَنْهُ، فَكَانَ لَهُ بِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا أَنْ يُؤْتِيَهُ مَا يَقُولُ مِنَ الْمَالِ وَالْوَلَدِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا}. يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ (كَلَّا): لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، مَا اطَّلَعَ الْغَيْبَ، فَعَلِمَ صِدْقَ مَا يَقُولُ، وَحَقِيقَةَ مَا يَذْكُرُ، وَلَا اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، بَلْ كَذَّبَ وَكَفَرَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ {سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ}: أَيْ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ هَذَا الْكَافِرُ بِرَبِّهِ، الْقَائِلُ (لَأُوتَيَنَّ) فِي الْآخِرَةِ {مَالًا وَوَلَدًا} {وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا} يَقُولُ: وَنَـزِيدُهُ مِنَ الْعَذَابِ فِي جَهَنَّمَ بِقِيلِهِ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا، زِيَادَةً عَلَى عَذَابِهِ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ. وَقَوْلُهُ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَنَسْلُبُ هَذَا الْقَائِلَ: لَأُوتَيَنَّ فِي الْآخِرَةِ مَالًا وَوُلِدَا، مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَيَصِيرُ لَنَا مَالُهُ وَوَلَدُهُ دُونَهُ، وَيَأْتِينَا هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا، وَحْدَهُ لَا مَالَ مَعَهُ وَلَا وَلَدَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى "ح"؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَذَلِكَ الَّذِي قَالَ العاصُ بْنُ وَائِلٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} لَا مَالَ لَهُ وَلَا وَلَدَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} قَالَ: مَا عِنْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ {لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} وَفِي حَرْفِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَنَرِثُهُ مَا عِنْدَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ} قَالَ: مَا جَمَعَ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَمِلَ فِيهَا {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} قَالَ: فَرْدًا مِنْ ذَلِكَ، لَا يَتْبَعُهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ}: نَرِثُهُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاتَّخَذَ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَنْ قَوْمِكَ آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا مَنْ دُونِ اللَّهِ، لِتَكُونَ هَؤُلَاءِ الْآلِهَةُ لَهُمْ عِزًّا، يَمْنَعُونَهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَيَتَّخِذُونَ عِبَادَتَهُمُوهَا عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَى، وَقَوْلُهُ: (كَلَّا) يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوا وَأَمَلُوا مِنْ هَذِهِ الْآلِهَةِ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فِي أَنَّهَا تُنْقِذُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَتُنْجِيهِمْ مِنْهُ، وَمِنْ سُوءٍ إِنْ أَرَادَهُ بِهِمْ رَبُّهُمْ. وَقَوْلُهُ: {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ سَيَكْفُرُ الْآلِهَةُ فِي الْآخِرَةِ بِعِبَادَةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِيَّاهَا، وَكَفْرُهُمْ بِهَا قَيْلُهُمْ لِرَبِّهِمْ: تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ، فَجَحَدُوا أَنْ يَكُونُوا عَبَدُوهُمْ أَوْ أَمَرُوهُمْ بِذَلِكَ، وَتَبَرَّءُوا مِنْهُمْ، وَذَلِكَ كُفْرُهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ. وَأَمَّاقَوْلُهُ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا}فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَتَكُونُ آلِهَتُهُمْ عَلَيْهِمْ عَوْنًا، وَقَالُوا: الضِّدُّ: الْعَوْنُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} يَقُولُ: أَعْوَانًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى "ح "؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قَالَ: عَوْنًا عَلَيْهِمْ تُخَاصِمُهُمْ وَتُكَذِّبُهُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قَالَ: أَوْثَانُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي النَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالضِّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْقُرَنَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} يَقُولُ: يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ قُرَنَاءَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قُرَنَاءُ فِي النَّارِ، يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَبَرَّأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ (ضِدًّا) قَالَ: قُرَنَاءُ فِي النَّارِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الضِّدِّ هَاهُنَا: الْعَدُوُّ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قَالَ: أَعْدَاءٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى الضِّدِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْبَلَاءُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا} قَالَ: يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ بَلَاءً. الضِّدُّ: الْبَلَاءُ، وَالضِّدُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: هُوَ الْخِلَافُ، يُقَالُ: فُلَانٌ يُضَادُّ فُلَانًا فِي كَذَا، إِذَا كَانَ يُخَالِفُهُ فِي صَنِيعِهِ، فَيُفْسِدُ مَا أَصْلَحَهُ، وَيُصْلِحُ مَا أَفْسَدَهُ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَكَانَتْ آلِهَةُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَتَبَرَّءُونَ مِنْهُمْ، وَيَنْتِفُونَ يَوْمئِذٍ، صَارُوا لَهُمْ أَضْدَادًا، فَوُصِفُوا بِذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ تَوْحِيدِ الضِّدِّ، وَهُوَ صِفَةٌ لِجَمَاعَةٍ. فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: وَاحَدٌ لِأَنَّهُ يَكُونُ جَمَاعَةً، وَوَاحِدًا مِثْلُ الرَّصْدِ وَالْأَرْصَادِ. قَالَ: وَيَكُونُ الرَّصْدُ أَيْضًا لِجَمَاعَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ وَاحَدٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ عَوْنًا، وَذُكِرَ أَنَّ أَبَا نَهْيِكٍ كَانَ يَقْرَأُ ذَلِكَ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْمُؤْمِنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا نَهْيِكٍ الْأَزْدِيَّ يَقْرَأُ {كَلَّا سَيَكْفُرُونَ} يَعْنِي الْآلِهَةَ كُلَّهَا أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَمْ تَرَ يَا مُحَمَّدُ أَنَا أَرْسَلَنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِاللَّهِ (تَؤُزُّهُمْ) يَقُولُ: تَحَرُّكُهُمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ، فَتُزْعِجُهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَتُغْرِيهِمْ بِهَا حَتَّى يُوَاقِعُوهَا (أَزًّا) إِزْعَاجًا وَإِغْوَاءً. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: (أَزًّا) يَقُولُ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَؤُزُّ الْكَافِرِينَ إِغْرَاءً فِي الشِّرْكِ: امْضِ امْضِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى تُوقِعَهُمْ فِي النَّارِ، امْضُوا فِي الْغَيِّ امْضُوا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو إِدْرِيسَ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، فِي قَوْلِهِ {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قَالَ: تُغْرِيهِمْ إِغْرَاءً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قَالَ: تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عَثْمَةَ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قَالَ: تُزْعِجُهُمْ إِلَى مَعَاصِي اللَّهِ إِزْعَاجًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} قَالَ تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا فِي مَعَاصِي اللَّهِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} فَقَرَأَ {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} قَالَ: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا، قَالَ: تُشْلِيهِمْ إِشْلَاءً عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَتُغْرِيهِمْ عَلَيْهَا، كَمَا يُغْرِي الْإِنْسَانُ الْآخَرَ عَلَى الشَّيْءِ، يُقَالُ مِنْهُ: أزَزْتُ فُلَانًا بِكَذَا، إِذَا أَغْرَيْتُهُ بِهِ أؤزُّهُ أَزًّا وَأَزِيزًا، وَسَمِعَتْ أَزِيزَ الْقِدْرِ: وَهُوَ صَوْتُ غَلَيَانِهَا عَلَى النَّارِ؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ، «أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَل». وَقَوْلُهُ {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ: فَلَا تَعْجَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِطَلَبِ الْعَذَابِ لَهُمْ وَالْهَلَاكِ، يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا، يَقُولُ: فَإِنَّمَا نُؤَخِّرُ إِهْلَاكَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا، وَنَحْنُ نَعُدُّ أَعْمَالَهُمْ كُلَّهَا وَنُحْصِيهَا حَتَّى أَنْفَاسَهُمْ لِنُجَازِيَهُمْ عَلَى جَمِيعِهَا، وَلَمْ نَتْرُكْ تَعْجِيلَ هَلَاكِهِمْ لِخَيْرٍ أَرَدْنَاهُ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ، {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} يَقُولُ: أَنْفَاسُهُمُ الَّتِي يَتَنَفَّسُونَ فِي الدُّنْيَا، فَهِيَ مَعْدُودَةٌ كَسِنِّهِمْ وَآجَالِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَوْمَ نَجْمَعُ الَّذِينَ اتَّقَوْا فِي الدُّنْيَا فَخَافُوا عِقَابَهُ، فَاجْتَنَبُوا لِذَلِكَ مَعَاصِيَهُ، وَأَدُّوا فَرَائِضَهُ- إِلَى رَبِّهِمْ (وَفْدًا) يَعْنِي بِالْوَفْدِ: الرُّكْبَانُ، يُقَالُ: وَفَدْتُ عَلَى فُلَانٍ: إِذَا قَدَمْتُ عَلَيْهِ، وَأَوْفَدَ الْقَوْمَ وَفْدًا عَلَى أَمِيرِهِمْ، إِذَا بَعَثُوا قَبْلَهُمْ بَعْثًا. وَالْوَفْدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ، وَلَكِنَّهُ وَاحِدٌ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَاحِدُهُمْ وَافِدٌ، وَقَدْ يُجْمَعُ الْوَفْدُ: الْوُفُودُ، كَمَا قَالَ بَعْضُ بَنِي حَنِيفَةَ: إِنِّـي لَمُمْتَـدِحٌ فَمَـا هُـوَ صَـانِعٌ *** رَأْسُ الْوُفُـودِ مُزَاحِـمُ بْـنُ جِسَـاسِ وَقَدْ يَكُونُ الْوُفُودُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعَ وَافِدٍ، كَمَا الْجُلُوسُ جَمْعُ جَالِسٍ. وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلَيٍّ، فِيقَوْلِهِ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا يَحْشُرُ الْوَفْدُ عَلَى أَرْجُلِهِمْ، وَلَا يُسَاقُونَ سَوْقًا، وَلَكِنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ لَمْ يَرَ الْخَلَائِقُ مِثْلَهَا، عَلَيْهَا رِحَالُ الذَّهَبِ، وَأَزِمَتُّهَا الزَّبَرْجَدُ، فَيَرْكَبُونَ عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} قَالَ: عَلَى الْإِبِلِ. حَدَّثَنَا عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} يَقُولُ: رُكْبَانًا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا خَرَجَ مِنْ قَبْرِهِ اسْتَقْبَلَهُ أَحْسَنُ صُورَةٍ، وَأَطْيَبُهَا رِيحًا، فَيَقُولُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: لَا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ طَيِّبَ رِيحِكَ وَحَسَّنَ صُورَتَكَ، فَيَقُولُ: كَذَلِكَ كُنْتُ فِي الدُّنْيَا أَنَا عَمَلُكُ الصَّالِحُ طَالَمَا رَكِبْتُكَ فِي الدُّنْيَا، فَارْكَبْنِي أَنْتَ الْيَوْمَ، وَتَلَا {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ {إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} قَالَ: وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فِي قَوْلِهِ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} قَالَ: عَلَى النَّجَائِبِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} قَالَ: عَلَى الْإِبِلِ النُّوقِ. وَقَوْلُهُ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَسُوقُ الْكَافِرِينَ بِاللَّهِ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إِلَى جَهَنَّمَ عِطَاشًا، وَالْوِرْدُ: مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: وَرَدْتُ كَذَا أَرِدُهُ وِرْدًا، وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَعْ، وَقَدْ وُصِفَ بِهِ الْجَمْعُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} يَقُولُ: عِطَاشًا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} قَالَ: عِطَاشًا. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَالْفَضْلُ بْنُ صَبَاحٍ، قَالَا ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} قَالَ: عِطَاشًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} قَالَ: ظِمَاءٌ إِلَى النَّارِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} سُوقُوا إِلَيْهَا وَهُمْ ظُمْءٌ عِطَاشٌ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} قَالَ: عِطَاشًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا يَمْلِكُ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ يَا مُحَمَّدُ، يَوْمَ يَحْشُرُ اللَّهُ الْمُتَّقِينَ إِلَيْهِ وَفْدًا الشَّفَاعَةَ، حِينَ يَشْفَعُ أَهْلُ الْإِيمَانِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَشْفَعُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ} مِنْهُمْ {عِنْدَ الرَّحْمَنِ} فِي الدُّنْيَا (عَهْدًا) بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَتَصْدِيقِ رَسُولِهِ، وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا أَمَرَ بِهِ. كَمَا حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: الْعَهْدُ: شَهَادَةٌ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَلَا يَرْجُو إِلَّا اللَّهَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ شُفَعَاءُ {إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} قَالَ: عَمَلًا صَالِحًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}: أَيْ بِطَاعَتِهِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} لِيَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُشَفِّعُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ، ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ فِي أُمَّتِي رَجُلًا لَيُدْخِلَنَّ اللَّهُ بِشَفَاعَتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيم» "، وَكُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّ «الشَّهِيدَ يُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِه». حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ شَفَاعَتِي لِمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا» "، وَ"مَنْ" فِي قَوْلِهِ (إِلَّا مَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَا يَكُونُ خَفْضًا بِضَمِيرِ اللَّامِ، وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ نَصْبًا فِي الْكَلَامِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَرَدْتُ الْمُرُورَ الْيَوْمَ إِلَّا الْعَدُوَّ، فَإِنِّي لَا أَمُرُّ بِهِ، فَيُسْتَثْنَى الْعَدُوُّ مِنَ الْمَعْنَى، وَلَيْسَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا} لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يُمْلِكُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، فَالْمُؤْمِنُونَ لَيْسُوا مِنْ أَعْدَادِ الْكَافِرِينَ، وَمَنْ نَصَبَهُ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ إِلَّا لِمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَهُ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ لِلْمُتَّقِينَ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا، لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ، إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، فَيَكُونُ مَعْنَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ، إِلَّا لِمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. فَأَمَّا إِذَا جَعَلَ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ خَبَرًا عَنِ الْمُجْرِمِينَ، فَإِنَّ "مَنْ" تَكُونُ حِينَئِذٍ نَصْبًا عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ، لَكِنْ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا يَمْلِكُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِاللَّهِ {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْقَائِلِينَ ذَلِكَ مِنْ خَلْقِهِ: لَقَدْ جِئْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ شَيْئًا عَظِيمًا مِنَ الْقَوْلِ مُنْكِرًا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {شَيْئًا إِدًّا} يَقُولُ: قَوْلًا عَظِيمًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} يَقُولُ: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا عَظِيمًا وَهُوَ الْمُنْكَرُ مِنَ الْقَوْلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ {شَيْئًا إِدًّا} قَالَ: عَظِيمًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {شَيْئًا إِدًّا} قَالَ: عَظِيمًا. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا} قَالَ: جِئْتُمْ شَيْئًا كَبِيرًا مِنَ الْأَمْرِ حِينَ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَفِي الْإِدِّ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ، يُقَالُ: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِدًّا، بِكَسْرِ الْأَلِفِ، وَأَدًّا بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَآدًّا بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَمَدِّهَا، عَلَى مِثَالِ مَادٍّ فَاعِلٍ. وَقَرَأَ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ، وَبِهَا نَقْرَأُ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْأَلِفِ، وَلَا أَرَى قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ لِخِلَافِهَا قِرَاءَةَ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِكُلِّ أَمْرٍ عَظِيمٍ: إِدٌّ، وَإِمْرٌ، وَنُكْرٌ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزُ: قَـدْ لَقِـيَ الْأَعْـدَاءُ مِنِّـي نُكْـرَا *** دَاهِيَـةً دَهْيَـاءَ إِدًّا إمْـرَا وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ: فِي لَهَثٍ مِنْهُ وَحَثْلٍ إِدًّا وَقَوْلُهُ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَشَقَّقْنَ قِطَعًا مِنْ قَيْلِهِمْ {اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} وَمِنْهُ قِيلَ: فَطَرْنَا بِهِ: إِذَا انْشَقَّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرُنَّ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} قَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ فَزِعَتْ مِنْهُ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، وَكَادَتْ أَنْ تَزُولَ مِنْهُ لِعَظَمَةِ اللَّهِ، وَكَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الشِّرْكِ إِحْسَانُ الْمُشْرِكِ، كَذَلِكَ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ ذُنُوبَ الْمُوَحِّدِينَ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ قَالَهَا فِي صِحَّتِهِ؟ قَالَ: تِلْكَ أَوْجَبُ وَأَوْجَبُ". ثُمَّ قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ جِيءَ بِالسَّمَاوَاتِ والْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَيْنَهُنَّ وَمَا تَحْتَهُنَّ، فَوُضِعْنَ فِي كِفَّةِ الْمِيزَانِ، وَوُضِعَتْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، لَرَجَحَتْ بِهِن». حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: غَضِبَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَاسْتَعَرَتْ جَهَنَّمُ، حِينَ قَالُوا مَا قَالُوا. وَقَوْلُهُ: {وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ} يَقُولُ: وَتَكَادُ الْأَرْضُ تَنْشَقُّ، فَتَنْصَدِعُ مِنْ ذَلِكَ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} يَقُولُ: وَتَكَادُ الْجِبَالُ يَسْقُطُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ سُقُوطًا. وَالْهَدُّ: السُّقُوطُ، وَهُوَ مَصْدَرُ هَدَدْتُ، فَأَنَا أَهُدُّ هَدًّا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} يَقُولُ: هَدْمًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} قَالَ: الْهَدُّ: الِانْقِضَاضُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} قَالَ: غَضَبًا لِلَّهِ. قَالَ: وَلَقَدْ دَعَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ هَذَا الَّذِي غَضِبَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ مِنْ قَوْلِهِمْ، لَقَدِ اسْتَتَابَهُمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ، فَقَالَ: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} قَالُوا: هُوَ وَصَاحِبَتُهُ وَابْنُهُ، جَعَلُوهُمَا إِلَهَيْنِ مَعَهُ {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ}.... إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتَكَادُ الْجِبَالُ أَنْ تَخِرَّ انْقِضَاضًا، لِأَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. فَـ "أَنْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فِي قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، لِاتِّصَالِهَا بِالْفِعْلِ، وَفِي قَوْلِ غَيْرِهِ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِضَمِيرِ الْخَافِضِ، وَقَدْ بَيَّنَّا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَالَ {أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {أَنْ دَعَوْا}: أَنْ جَعَلُوا لَهُ وَلَدًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: أَلَّا رُبَّ مَـنْ تَدْعُـو نَصِيحًا وَإِنْ تَغِبْ *** تَجـدْهُ بِغَيْـبٍ غَـيْرَ مُنْتَصِـحِ الصَّدْرِ وَقَالَ ابْنُ أَحْمَرَ: أَهْـوَى لَهَـا مِشْـقَصًا حَشْرًا فَشَبْرَقَهَا *** وَكُـنْتُ أَدْعُـو قَذَاهَـا الْإِثْمَـدَ الْقَـرِدَا وَقَوْلُهُ {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} يَقُولُ: وَمَا يَصْلُحُ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْخَلْقِ الَّذِينَ تَغْلِبُهُمُ الشَّهَوَاتُ، وَتَضْطَرُّهُمُ اللَّذَّاتُ إِلَى جِمَاعِ الْإِنَاثِ، وَلَا وَلَدَ يَحْدُثُ إِلَّا مِنْ أُنْثَى، وَاللَّهِ يَتَعَالَى عَنْ أَنْ يَكُونَ كَخَلْقِهِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ ابْنِ أَحْمَرَ: فِـي رَأْسِ خَلْقَـاءَ مِـنْ هَنْقَاءَ مُشْرِفَةٍ *** مَـا يَنْبَغِـي دُونَهَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلُ يَعْنِي: لَا يَصْلُحُ وَلَا يَكُونُ. {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} يَقُولُ: مَا جَمِيعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي الْأَرْضِ مِنَ الْبَشَرِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ {إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} يَقُولُ: إِلَّا يَأْتِي رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدًا لَهُ، ذَلِيلًا خَاضِعًا، مُقِرًّا لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، لَا نَسَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ. وَقَوْلُهُ {آتِي الرَّحْمَنِ} إِنَّمَا هُوَ فَاعِلٌ مَنْ أَتَيْتُهُ، فَأَنَا آتِيهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَقَدْ أَحْصَى الرَّحْمَنُ خَلْقَهُ كُلَّهُمْ، وَعَدَّهُمْ عَدًّا، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَبْلَغُ جَمِيعِهِمْ، وَعَرَفَ عَدَدَهُمْ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} يَقُولُ: وَجَمِيعُ خَلْقِهِ سَوْفَ يَرِدُ عَلَيْهِ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَحِيدًا لَا نَاصِرَ لَهُ مِنَ اللَّهِ، وَلَا دَافِعَ عَنْهُ، فَيَقْضِي اللَّهُ فِيهِ مَا هُوَ قَاضٍ، وَيَصْنَعُ بِهِ مَا هُوَ صَانِعٌ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَصَدَّقُوا بِمَا جَاءَهُمْ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِمْ، فَعَمِلُوا بِهِ، فَأَحَلُّوا حَلَالَهُ، وَحَرَّمُوا حَرَامَهُ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} فِي الدُّنْيَا، فِي صُدُورِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: مَحَبَّةٌ فِي النَّاسِ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: حُبًّا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: الْوُدُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا، و الرِّزْقُ الْحَسَنُ، وَاللِّسَانُ الصَّادِقُ. حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ، قَالَ: ثَنَا شَرِيكٍ، عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: مَحَبَّةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى خَلْقِهِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: يُحِبُّهُمْ وَيُحَبِّبُهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ إِلَى اللَّهِ إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ إِلَيْهِ. وَزَادَهُ مِنْ عِنْدِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}: إِيْ وَاللَّهِ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ. ذُكِرَ لَنَ أَنَّ هَرَمَ بْنَ حَيَّانَ كَانَ يَقُولُ: مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ، إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ، حَتَّى يَرْزُقَهُ مَوَدَّتَهُمْ وَرَحْمَتَهُمْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ يَقُولُ: مَا مِنَ النَّاسِ عَبْدٌ يَعْمَلُ خَيْرًا وَلَا يَعْمَلُ شَرًّا، إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ رِدَاءَ عَمَلِهِ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} قَالَ: مَحَبَّةٌ. وَذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَـزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّهِأُمِّ إِبْرَاهِيمَ ابْنَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَى فِرَاقِ أَصْحَابِهِ بِمَكَّةَ، مِنْهُمْ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَعَتَبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِي آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنَ وُدًّا}. وَقَوْلُهُ {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَا يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنَ بِلِسَانِكَ، تَقْرَؤُهُ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ اتَّقَوْا عِقَابَ اللَّهِ، بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ، وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ بِالْجَنَّةِ {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} يَقُولُ: وَلِتُنْذِرَ بِهَذَا الْقُرْآنِ عَذَابَ اللَّهِ قَوْمَكَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ أَهِلُ لَدَدٍ وَجَدَلٍ بِالْبَاطِلِ، لَا يَقْبَلُونَ الْحَقَّ. وَاللَّدُّ: شِدَّةُ الْخُصُومَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ (لُدًّا) قَالَ: لَا يَسْتَقِيمُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لَدًّا} يَقُولُ: لِتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا ظَلَمَةً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا}: أَيْ جِدَالًا بِالْبَاطِلِ، ذَوِي لِدَّةٍ وَخُصُومَةٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} قَالَ: فُجَّارًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ {قَوْمًا لُدًّا} قَالَ: جِدَالًا بِالْبَاطِلِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} قَالَ: الْأَلَدُّ: الظَّلُومُ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}. حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ الضِّرَارِيُّ. قَالَ: ثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، قَالَ: ثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} قَالَ: صُمًّا عَنِ الْحَقِّ. حَدَّثَنِي ابْنُ سِنَانٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ هَارُونَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ. وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْأَلَدِّ فِيمَا مَضَى بِشَوَاهِدِهِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَثِيرًا أَهْلَكْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَ قَوْمِكَ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، مِنْ قَرْنٍ، يَعْنِي مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، إِذَا سَلَكُوا فِي خِلَافِي وَرُكُوبَ مَعَاصِي مَسْلَكِهِمْ، هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مَنْ أَحَدٍ: يَقُولُ: فَهَلْ تُحِسُّ أَنْتَ مِنْهُمْ أَحَدًا يَا مُحَمَّدُ فَتَرَاهُ وَتُعَايِنُهُ {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} يَقُولُ: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ صَوْتًا، بَلْ بَادُوا وَهَلَكُوا، وَخَلَتْ مِنْهُمْ دُورُهُمْ، وَأَوْحَشَتْ مِنْهُمْ مَنَازِلُهُمْ، وَصَارُوا إِلَى دَارٍ لَا يَنْفَعُهُمْ فِيهَا إِلَّا صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ قَدَّمُوهُ، فَكَذَلِكَ قَوْمُكَ هَؤُلَاءِ، صَائِرُونَ إِلَى مَا صَارَ إِلَيْهِ أُولَئِكَ، إِنْ لَمْ يُعَالِجُوا التَّوْبَةَ قَبْلَ الْهَلَاكِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلَيٌّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلَيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} قَالَ: صَوْتًا. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} قَالَ: هَلْ تَرَى عَيْنًا، أَوْ تَسْمَعُ صَوْتًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} يَقُولُ: هَلْ تَسْمَعُ مَنْ صَوْتٍ، أَوْ تَرَى مَنْ عِيْنٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ، يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ، فِي قَوْلِهِ {أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} يَعْنِي: صَوْتًا. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رِكْزُ النَّاسِ: أَصْوَاتُهُمْ. قَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: قَالَ سُفْيَانُ: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} قَالَ: أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ حِسًّا. قَالَ: وَالرِّكْزُ: الْحِسُّ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالرِّكْزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الصَّوْتُ الْخَفِيُّ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: فَتَوجَّسَـتْ ذِكْـرَ الْأَنِيسِ فَرَاعَهَـا *** عَـنْ ظَهْـرِ غَيْـبٍ وَالْأَنِيسُ سَـقَامُهَا آخَرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ مَرْيَمَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
|